منوعات

حزب الله والتيار الوطني الحر: يا لها من خيبة

مطبعة التبريرات شغّالة هذه الأيام؛ تطبع أشكالاً وألواناً مختلفة من التبريرات، بمختلف المقاييس والأحجام أيضاً. هيا نبرّر، مرة أخرى: لم يعد سعد الحريري رمز الفساد الأكبر، وبطل أبطال التبعية، وحجر الزاوية في الحريرية السياسية التي استبدلت مؤسسات الدولة بمجالس وهيئات وصناديق تتبع جميعها لرئاسة مجلس الوزراء، وتصرف من المال العام دون أي حسيب أو رقيب أو أية آلية قانونية للمحاسبة. لم يعد سعد الحريري هو سعد الحريري؛ الـ “وان واي تيكيت” لا تنفع مع هذا الرجل؛ يكسر اليوم آمال العماد ميشال عون ويعود، تماماً كما في ذلك اليوم من عام 2018، فيما مطبعة التبريرات تختلق أعذار جديدة وتطبع وتوزع.

بدل الإصلاحات، تبريرات. ستصل التبريرات للركب. لكن الخيبة ليست من عودة الحريري، إنّما من الأداء السياسي للتيار الوطني الحر وحزب الله طوال العام الماضي، الذي سمح للحريري أن يطل برأسه من السراي مجدداً.

الوطني الحرّ وحزب الله: لا قرار سياسي

بداية، لا بدّ من العودة إلى حكومة الحريري الأخيرة؛ يومها خاض حزب الله ما خاضه من معركة لينتزع التيار الوطني الحر من الحريري في النهاية حقيبة وزارية إضافية ذهبت للوزير حسن مراد، وقد حرص رئيس التيار الوزير جبران باسيل على أن يستحدث لأجلها وزارة دولة جديدة هي وزارة دولة لشؤون التجارة الخارجية.

وعليه، ما كاد مراد يستلم حتى بدأ البحث عن الاتفاقيات التجارية وأرقام الواردات والصادرات وخطوط الترانزيت البرّية والجوية والبحرية ليرى ما يمكنه فعله، وإذ به يرى الجدران المصفّحة تحمي الاتفاقيات المخبأة في الجوارير المقفلة بإحكام، دون أن يجد أية مساعدة من أي نوع كان ممن يفترض أنهم استحدثوا الوزارة بهدف نفض الغبار عن الاتفاقيات الظالمة بحق لبنان وتعديلها.

وفي إطارٍ موازٍ، لم يجد مراد منقذاً لمسيرته الوزارية غير الاستفادة من علاقات والده البرازيلية لمحاولة توقيع ما تيسّر من اتفاقيات مع منظمة دول البريكس التي تضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا. علماً أن أساس التعاون مع هذه الدول يقوم على مبدأ التوازن في الميزان التجاري والسياحي والخدماتي؛ لكن إذ به يُفاجأ مجدداً باللامبالاة الرسمية نفسها، حتى لا نقول شيئاً آخر.

وعليه، هل كان من الممكن في حكومة الحريري الأخيرة إعطاء دور أكبر لوزارة الدولة لشؤون التجارة الدولية، لا تهميشها وتجنب دعوتها حتى إلى مؤتمرات التجارة الدولية؟ نعم طبعاً، لكن لم يكن ثمة قرار سياسي عند التيار وحزب الله.

هل كان يمكن تعديل الاتفاقيات التجارية لمصلحة لبنان؟ نعم طبعاً، لكن لم يكن ثمة قرار سياسي عند التيار وحزب الله. هل كان يمكن تفعيل علاقة لبنان التجارية والسياحية والخدماتية مع دول البريكس؟ نعم طبعاً، لكن لم يكن ثمة قرار سياسي عند التيار وحزب الله.

ومن هناك إلى حكومة حسان دياب؛ هل كان يمكن تشكيل هذه الحكومة خلال 24 ساعة؟ نعم طبعاً، لكن لم يكن ثمة قرار سياسي عند التيار وحزب الله. هل كان يمكن استبدال الوزراء “المايعين” الذين لا لون لهم ولا شخصية ولا رائحة ولا قرار؟ نعم طبعاً، لكن لم يكن ثمة قرار سياسي عند التيار وحزب الله. هل كان يمكن الإكتفاء من البيان الوزاري بثلاثة سطور فقط بشأن كورونا والكهرباء ومواجهة الغلاء المعيشي، بعيداً عن كل الهبل الإنشائي؟ نعم طبعاً، لكن لم يكن ثمة قرار سياسي عند التيار وحزب الله.

معارك خرافية وشعارات؟

الخيبة لا ترتبط صراحة بعودة سعد الحريري إلى السراي الحكومي. الخيبة سابقة لعودة الحريري بكثير. ففي حكومة دياب لم يكن ثمة حريري ولا قوات، فيما لم يملك بري وجنبلاط وفرنجية ثلثاً معطلاً، وعليه لا يمكن للتيار الوطني الحر وحزب الله أن يقولا إنّ هناك من منعهما أو أقله حاول منعهما. لا بل تصرّف العونيون مع حسان دياب باعتباره من لحمهم ودمهم رغم أنّه ليس كذلك أبداً.

وماذا كانت النتيجة؟ الكهرباء راوحت مكانها حيث كانت على طاولة سعد الحريري. التهرّب الضريبي راوح مكانه حيث كان على طاولة سعد الحريري. التهريب راوح في مكانته المتقدمة. القضاء، المجالس، الهيئات، الصناديق جميعها راوحت مكانها.

استعادة الأموال المنهوبة راوحت مكانها، كما كل شيء آخر. والأنكى أنّه في كل مرة كان يتم الاستعاضة عن خوض المعركة بعنوان خرافيّ آخر. وهكذا استُعيض عن معركة إسقاط رياض سلامة بمعركة وهمية أخرى اسمها استعادة الأموال المنهوبة، وما كاد الجمهور يحفظ هذا الشعار الجديد ويبدأ المناداة به حتى استُعيض عن معركة استعادة الأموال المنهوبة بمعركة أخرى اسمها التدقيق الجنائي.

متى كانت آخر مرة سمعتم بها بعبارة إصلاح وتغيير؟ حين بدأتم تسمعون بعبارة استعادة الأموال المنهوبة. متى آخر مرة سمعتم بها بعبارة استعادة الأموال المنهوبة؟ حين بدأتم تسمعون بعبارة التدقيق الجنائي. متى آخر مرة سمعتم بعبارة التدقيق الجنائي؟ حين أعدّت وزارة المال العقد الفارغ مع الشركة ليعطلّه رياض سلامة بشكل كامل.

هكذا ننام على معركة، ونستيقظ على معركة أخرى، قبل أن نخطو خطوة واحدة نحو الهدف في المعركة الأولى. وفي التدقيق الجنائي، هل خيضت معركة لتوقيع عقد محترم خاص بالتدقيق الجنائي؟ طبعاً لا. والأهم الأهم: هل سُئل ما إذا كانت متاهات القانون اللبناني تسمح بمحاسبة الفاسدين والسارقين رغم حصاناتهم بطريقة أسرع بكثير من التدقيق الجنائي، سواءً من خلال قانون الإثراء غير المشروع أو غيره؟ طبعاً طبعاً لا.

المشكلة أو الخيبة ليست في عودة الحريري فقط إنّما في غياب المشروع السياسي – الاقتصادي؛ الأوراق والخطط كثيرة وكثيرة جداً لكن المطلوب نيّة وقرار مواجهة ومواجهة. مع حسان دياب تأكد الأمر أنّ هذه جميعها غير موجودة، وإذا لم تتواجد مع حسان دياب في ظل ضغط الشارع والاعلام الرهيبين، فإنّها حتماً لن تتواجد اليوم مع الحريري.

غسان سعود 

 

غسان سعود

كاتب وصحافي لبناني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى